بين المهارة وترويجها.. هل التسويق الذاتي ضرورة حتمية؟
تقرير: رنيم أحمد
هل أنت منتج؟؟؟ هل يتم الترويج لك؟؟ هل تسويق الذات ضرورة في عالم اليوم؟؟
جميعها أسئلة تتبادر إلى الذهنية الرقمية المعاصرة، فبينما أنت جالس تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تراقب منشورات الطبخ والمكياج والمضامين الأخرى، يقوم غيرك باستخدام هذه المواقع كوسيلة للتسويق لنفسه واقتناص الفرص وتطوير ذاته، بل ويستثمر من خلالها ويحقق أرباحاً كبيرة...
إن كنت ترغب في أن تكون أحد الشخصيات المؤثرة اليوم فأنت معني بهذا المحتوى.
مفهوم واسع... قديم معاصر..
هل وقعت يوماً في غرام شخصية تبث محتواها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية الرقمية؟، جربت ذات مرة تقليد ما تشاهده من مضامين وتجارب؟، هل تصدق إن قلنا لك أن جميع ما تشاهده من إعجابات بشخصيات عامة أو مميزة أو حتى لمؤسسات وهيئات ودول تخضع لقوانين التسويق الذاتي؟؟؟ أو الـSelf-marketing ، والذي هو عملية ترويج للفرد، عوضاً عن الترويج لمنتج معيّن، وإن كان الفرد في هذه الحالة هو أنت صديقي القارئ، يتوجب عليك في تسويقك لذاتك إظهار ما تبرع فيه للعالم، وتقنع بهاالآخرين وبأنّك الحل الأمثل لمشاكلهم، وتُستخدم هذه الطريقة أحيانًا من قبل الباحثين عن عمل بهدف الحصول على وظيفة أحلامهم، كما أنّ المبدعين أو المستقلّين Freelancers يلجؤون غالبًا إلى استراتيجيات تسويق الذات للوصول على عملاء جدد.
رؤية اقتصادية
يقول الدكتور باسم غدير ( دكتوراه في التجارة الإلكترونية- كلية الاقتصاد- جامعة تشرين) في تطور مفهوم التسويق أنه "مفهوم قديم، وله مداخل عدّة، أحد أشهرها والتي انتشرت كثيراً خاصة بعد الثورة الصناعية والإنتاج الكبير، هو المدخل الاقتصادي التجاري، إذ اهتم به الباحثون والأكاديميون بشكل كبير أنشئت الأكاديميات التي تدرّس التسويق كجزء من علوم إدارة الأعمال"
ويشير إلى أن "المداخل الأخرى والقديمة للتسويق هي تسويق الدّين والسياسة وتسويق الأفكار... إلخ، كان يُعمل بها بالبعثات التبشيرية ومحاولات التوسع السياسي والعسكري لكنها لم تكن بالمسمّيات المتعارف عليها الآن، فالملوك والأمراء والملوك الذين كانوا يغدقون على الكتاب والشعراء لمدحهم ومدح سياساتهم ودولهم لم تكن إلا ضرباً من ضروب التسويق".
ويعتبر د.غدير أن "كتابة السيرة الذاتية (CV) هي من التأطيرات الأولى للتسويق الذاتي، حيث ازدادت الحاجة إليها مع تعقد ظروف العمل وتطور مفهوم الموارد البشرية، واشتداد فرص المنافسة في حقل الموارد البشرية، فبات من المطلوب التفنن في كتابة السيرة الذاتية وعرض مؤهلات وقدرات ومهارات وخبرات الأفراد في قالب جميل ومفهوم".
ركائز التسويق الذاتي اقتصادية!
وبشكل عام فإن التسويق الذاتي مفهوم مأخوذ من العلوم الاقتصادية، هذا ما شار إليه د.غدير: "إن التسويق المعروف في علوم الاقتصاد ارتكز على أعمدة رئيسة ثلاثة (دراسة البيئة التسويقية – دراسة سلوك المستهلك – دراسة المزيج التسويقي)، وهو يعدّ واجهة الاقتصادات في العالم، إذ بات من المفترض وقبل البدء بأي مشروع دراسة الجدوى الاقتصادية والتسويقية بالاستناد إلى الأعمدة الثلاثة التي ذكرتها، فالتسويق يبدأ بمفهومه الحديث قبل الإنتاج، ومن هنا كان لابدّ للمنظمة من دراسة ظروف السوق وسلوك المستهلكين فيه والعمل من ثم على المنتج المناسب وتسعيره وتوزيه والترويج له كعناصر أساسية في المزيج التسويقي".
تشابه واختلاف...
وفيما يتعلق بالاختلاف بين التسويق الاقتصادي والتسويق الذاتي، يجد د.غدير "أنّ المرحلة التي يمرّ بها التسويق الذاتي الآن هي المرحلة التي يشترك بها مع العنصر الرابع من عناصر المزيج التسويقي الأساسية المعروفة في تسويق السلع وهو عنصر "الترويج" الذي يعدّ من أهم أهدافه الإخبار والإعلام عن المنتجات ومن ثم طريقة تقديمهم بأسلوب جذاب وملفت يشبع حاجة المستهلكين .. ومن هذا المنظور فإن التسويق الذاتي للفرد يهدف إلى الترويج عما يملك من قدرات ومهارات وخبرات بغية الاستفادة من فرصة عمل أو حصة في السوق".
وكغيره من العمليات الاقتصادية يرتكز التسويق الذاتي على مجموعة من المراحل ويتطور تبعاً لتطور المعرفة، وفي هذا السياق يرى د. غدير: "أنّ التسويق الذاتي يجب أن يتطور باعتبار أن "المعرفة" كما أشرت في العديد من كتبي قد أصبحت منتَجاً بحدّ ذاتها، والمعرفة كما أعرّفها في كتابي "إدارة المعرفة" هي مجموعة ما يمتلكه الفرد من " قدرات ومهارات ومعلومات وخبرات" وبالتالي يجب أن يتم التعامل معها من منظور التسويق الاقتصادي سواء المزيج التسويقي السلعي أو المزيج التسويقي الخدمي، فبات من الضرورة بمكان الاهتمام بتلك المعرفة كمنتج فنزيد من جودته ونطور خصائصه، ونتعلم تسعير "تثمين" مانمتلك حسب الحاجة له في السوق، ونتعلم كيف نوزعه ونضعه في قنواته الصحيحة ونروج له، ونهتم بالعناصر الإضافية في المزيج الخدمي، فنطور من أساليب مقدّم المنتج / الخدمة ونطور العمليات والكيان الذي تُقدّم به ...
مراحل عدة وتخطيط مسبق!
بناء على ذلك، فإنه يتوجب على من يعمل على التسويق لذاته سواء كان فرداً أو مجموعة أفراد من أن يضع خطة تسويقية لتسويق منتَجه المعرفي مستندا إلى الأعمدة الثلاثة وإلى عناصر المزيج التسويقي بشكل حقيقي وجدّي فيعمل على:
دراسة السوق والبيئة التسويقية (ماهو موضع الطلب في السوق على مانملك من معرفة وماهي ظروف ذلك الطلب)
ثم دراسة سلوك الطالبين لتلك المعرفة التي نملكها.
ثم العمل على تلك المعرفة بمقتضى المزيج التسويقي والتأكد من قيمتها وقدرتها على إشباع حاجة السوق، بحسب رأي د غدير، والذي يعتبر أن التسويق الذاتي بدأ يأخذ مكانه في الأدبيات المدروسة من قبل الباحثين وأعتقد أنه سيأخذ مكانه كمدخل ناضج من مداخل التسويق في القريب العاجل، وربما سيتم تصنيف مزيج تسويقي خاص به بشكل أكثر أكاديمية مع مرور الزمن
للإعلام وجهة نظر!
أما في ميدان العلوم الاتصالية، يرى د. رامي أمون (دكتوراه إعلام تربوي- كلية التربية-جامعة تشرين) أن: "ظهور التسويق الذاتي ارتبط مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير وإمكانية امتلاك كل من يريد لحسابات على مواقع التواصل هذه، تمكنه من نشر ما يريد وبالمضمون الذي يختاره ويتوجه للجمهور الذي يرغب بمتابعته لتحقيق أهداف قد حددها مسبقاً ... كل ذلك دون وجود رقيب حقيقي هذا الهامش الكبير من الحرية في الاستخدام والتوظيف جعل من وسائل التواصل الاجتماعي أداة حقيقية بيد من يرغب للنشر والترويج الإعلاني الدعائي وأهداف متنوعة منها التجاري ومنها الإيديولوجي ومنها الاثنين معاً".
ويعتبر أنه من الواجب السؤال عن أهداف التسويق الذاتي انطلاقاً من مفهومه ومن يقوم به، حيث يقوم به الشخص نفسه ولنفسه، عبر عرض واستعراض لأهم ميزاته الشخصية وإمكانياته، وما يمكن أن يقدمه من أشياء مفيدة أو تهم الجمهور المتابع والمستهدف من عملية الاتصال هذه.
"العملية بمجملها هي أقرب إلى الدعاية والإعلان.." هذا ما أكده د.أمون للراعي، مشيراً إلى أن "الشخص الذي يسعى للتسويق الذاتي يكون هو المعلن وهو المنتج، وطبعاً يكون الهدف هو نوع من الترويج للمنتج الذي يعزم المروج على تقديمه للجمهور"
وعن ماهية من يقوم بالتسويق الذاتي، يعتبر د. أمون أنه من الهامجداً التأكيد على أن يكون الشخص ذاته هو الذي يروج لنفسه وإمكانياته والخدمات التي يمكن أن يقدمها"، مع الإشارة إلى أنه قد يكون جهة ما أو مؤسسة ما أو حزب أو هيئة، و"قد يكون له طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ديني أو عسكري"، كما ومن الممكن جداً أن تتنوع لأكثر من طابع، فدائماً الهدف هو الترويج وصولاً لتحقيق المنفعة الربحية تارة والفكرية تارة أخرى.
إذاً صديقي عليك إدراك أنه يوجد خيط رفيع بين ذكر المميزات بطريقة إيجابية تُظهر ما تمتلكه من مميزات، وبين إثارة سخط الآخرين من خلال استعراض سماتك ومهاراتك والتباهي المبالغ فيه، وممّا لا شك فيه أنّك ستحتاج في لحظة ما من حياتك إلى تسويق نفسك، سواءً كان ذلك بهدف الحصول على وظيفة ذات مردود عال، أو بغاية بناء اسمك الشخصي في عالم ريادة الأعمال ...أو غيرها، لكن عليك أن تدرك الفرق بين تسويق الذات وبين الغرور، وأن تستخدم الحقائق والإحصائيات والنتائج الملموسة التي تجعل منك شخصًا مميّزًا، وتبتعد عن مجرد جذب الانتباه ليس إلا، وأن تكون رسالتك من شغف حقيقي أو فكرة خلاّقة.
6-januaray-2024