الإرشاد النفسي: مسيرة تطوير الذات وتحقيق التوافق في مجتمعاتنا المعاصرة
رنيم أحمد 18-jan-2024
يعتبر الإرشاد النفسي من فروع علم النفس التطبيقي، وهو بتعريف بسيط وعام العملية التي تستهدف إرشاد الأفراد ليصلوا إلى حالة التوافق النفسي والاجتماعي والعاطفي، وفي سورية يقدم قسم الإرشاد النفسي مواد في مختلف فروع علم النفس والإرشاد النفسي والتربوي والأسري والمدرسي بهدف تزويد الطلبة بمعلومات أساسية يحتاجها الإعداد المهني للعاملين في مجال الإرشاد والقياس والتعلم والتعليم التربوي على مستوى الإجازة، والدبلوم والماجستير.
بين التخصص الأكاديمي والمهنة النبيلة
تؤكد الدكتورة أنساب شروف (الأستاذ المساعد في قسم الإرشاد النفسي - كلية التربية- جامعة تشرين) أن الارشاد النفسي علم قائم على اسس نظرية ومنهجية مخطط لها.. وذات أهداف محددة وأساليب علمية يستخدمها المرشد المختص للوصول الى تلك الأهداف، بالتالي هو العلاقة المهنية بين مرشد مؤهل من جهة، ومسترشد يحتاج الى مساعدة للتوافق مع بيئته والتوصل إلى حل مشكلاته الشخصية أو الأسرية او الاجتماعية او الدراسية من جهة مقابلة.
مجالات عملية وتطبيقات
تتعدد مجالات واستخدامات طرق الإرشاد النفسي بحسب الحالات، وتذكر د.شروف أن هذه المجالات تختلف تبعاً لاختلاف الفئات العمرية والجينية والخلفيات الثقافية أو الدينية للفئات المستهدفة، للوصول إلى ما يسمى بالتوافق الأفضل، وفهم الذات والمشاعر، وإكسابهم القدرة على التعامل مع المشكلات التي يواجهونها، أي أن هذه المجالات تتضمن الإرشاد المدرسي والتربوي، الإرشاد الأسري، وكذلك الإرشاد الاجتماعي، الزواجي، إرشاد ذوي الاعاقة والمتفوقين، وإرشاد الأطفال...الخ
ولذا ولضمان نجاح العملية الإرشادية يجب أن تتوافر في شخص المرشد العديد من الصفات الخاصة من مثل التأهيل الأكاديمي والمهني الجيد، امتلاكه مهارات تواصل جيد، القدرة على التعاطف، الالتزام بالحفاظ على السرية، والقدرة على تحمل الضغوط.
العمل الإرشادي في سورية
كثيراً ما نجد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات وفرص عمل عديدة تطلب اختصاصيين في الإرشاد النفسي، ليس فقط خلال سنوات الحرب في سورية، بل أصبح الأمر أكثر طلباً بعد كارثة زلزال سورية شباط 2023، إلا أن د.شروف تعتبر أن مهنة الارشاد النفسي مغيبة في سورية، ولا وجود لترخيص بمزاولة مهنة الإرشاد النفسي، وبالتالي المجال الوحيد الذي تتم ممارسته مهنياً هو مجال الإرشاد المدرسي، أما المجالات الأخرى -على أهميتها- فهي مغيبة تماماً، لكن مع وجود منظمات إنسانية عاملة على الأرض في سورية بدأ خريجوا الإرشاد النفسي يمارسون المهنة تحت ظل هذه المنظمات، مشيرة إلى أن الصعوبة الرئيسة التي يحتاجها المرشدون للعمل عليها، هي قرار ترخيص لمزاولة مهنة الارشاد النفسي بمجالاته المختلف
طرائق نظرية... إجراءات عملية
ترى أ. لينا غانم (ماجستير إرشاد نفسي- عضو هيئة فنية في كلية التربية- جامعة طرطوس )، أن للإرشاد النفسي بمفهومه الواسع نشأ من بداية وجود الإنسان، فطبيعة العلاقات الإنسانية تتضمن أن يتكلم الفرد عن مشكلاته الشخصية للأصدقاء والأقرباء مما يخلق له مشاركة وجدانية واقتراح حلول لمشكلاته هذه، أما بالنسبة للمفهوم العلمي الذي نتناوله نحن كمرشدين فهو عملية بناءة تهدف إلى مساعدة الفرد لكي يفهم ذاته ويدرس شخصيته ويتعرف إلى خبراته، ويحدد مشكلاته، ويحلها في ضوء معرفته ورغبته وتعليمه، لكي يصل إلى الصحة نفسية المطلوبة، والتوافق على مختلف الأصعدة الشخصية المهنية الأسرية التربوية والزواجية
في العمل ... عمق وتحليل وحل
بالنسبة لعملية الإرشاد النفسي فهي ترتكز بشكل رئيس على التحليل والتفسير وتحديد الصعوبات وبالتالي حلها وفق أنواع الإرشاد النفسي المعروفة، والتي توضحها أ.غانم بأنها: الارشاد الفردي يكون وجهاً لوجه بين المرشد والمسترشد وهو أكثر أنواع الإرشاد انتشاراً ويتضمن مساعدة المسترشد بالمشكلات الدراسية والمهنية والاضطرابات النفسية التي قد تواجهه ومساعدة المسترشد في الحالات الصحية
النوع الثاني وهو الإرشاد الجماعي ويتضمن إرشاد عدد من المسترشدين في جماعات صغيرة مثل توجيه الوالدين بمشكلات أبنائهم، الإرشاد الأسري والزواجي، جماعات الأطفال والشباب والراشدين والمغتربين أيضاً، والإرشاد المهني ضمن المؤسسات وحتى الإرشاد الجماعي داخل المدارس.
وتضيف أن هناك الإرشاد المباشر، وهو المتمركز حول المرشد،فيقوم به بالدور الإيجابي ويتحمل المسؤولية كاملة، ويستخدم في حالات نقص المعلومات لدى المسترشد الذي يعجز عن حل مشكلاته، وكذلك يوجد الإرشاد غير المباشر، وهو أقرب طرق الإرشاد النفسي إلى العلاج النفسي، ويتمركز حول المسترشد لمساعدته على النمو النفسي السوي والتطابق بين مفهوم الذات الواقعي والذات المدرك والذات المثالي ومفهوم الذات الاجتماعي
ممارسة المهنة تقتضي التدريب
في واقع العمل يحتاج المرشد النفسي إلى مجموعة من المهارات التي يجب أن يتدرب ويؤهل عليها سواء في الكلية أو في المراكز التدريبية المعتمدة، وتعتبر أ.غانم أنه يجب على المرشد النفسي أن يقرأ لغة جسد المسترشد، وأن يستثمر مختلف القنوات الاتصال السمعية والبصرية والحسية ليتمكن من وضع توصيف دقيق للحالة، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يتدرب المرشد على السلوك غير اللفظي المتمثل بالحساسية والتطابق (الأصالة) وبالتزامن ( التناغم بين السلوك اللفظي وغير اللفظي)، وعلى مهارات الاصغاء المتمثلة ( الاستيضاح، عكس المشاعر، إعادة الصياغة، التخليص)
مهنة الأخلاق والحياة
تضيف أ.غانم أنه عند انتقال المرشد إلى الواقع المهني، لابد له من أن يكون متحلياً بأخلاقيات العمل المتعارف عليها في الميدان الإنساني، مثل القدرة على الحفاظ على سرية المعلومات،والتواصل الفعال مع الآخرين، والاهتمام الحقيقي بالناس، والالتزام بحدود المهنة، وأخيراً والأهم الحيادية والابتعاد عن التعميم.
خلاصة
في مجتمعاتنا المعاصرة، وتبعاً لما فرضته علينا طبيعة الحياة الصعبة السهلة من ضغوطات متنوعة، جميعنا يحتاج إلى فسحة للاسترخاء والابتعاد عن ضوضاء المجتمع ومشكلاته، عبر الاحتكام إلى لغة العقل والقلب معاً، ولعل الإرشاد النفسي هو التخصص الجامع لهذين الجانبين، فوجد في سبيل تحقيق الأمن والسلام الداخلي بالدرجة الأولى للأفراد، لذا فنحن بأشد الحاجة للتوعية بشأن هذا الاختصاص، إذ وبرغم الانتشار الكبير للعلاج والطب النفسي، إلا أننا لا زلنا نخشى استشارة المعالج النفسي عند الوقوع في المشاكل..!
الراعي: تخصص الإرشاد النفسي
مقالات